طقوس رمضانية في العراق تنغصها السياسة والمخاوف الأمنية
تاريخ النشر: 26 مارس 2023 | الساعة: 09:35 صباحًا
القسم: المشاهدات: 234 مشاهدة
يحرص العراقيون كل عام على استقبال شهر رمضان الكريم، بالتحضيرات والاستعدادات بما يتناسب مع قدسية هذا الشهر المبارك، الذي يحرصون على جعله فترة عبادة وأدعية لكي يفرج الله الأزمات المزمنة والمنغصات في الواقع العراقي المتردي.
ولعل أبرز مظاهر الطقوس التي تميز شهر رمضان في العراق هي التجمعات الرمضانية الشعبية الكبيرة في المناطق المقدسة المنتشرة في المدن، وأبرزها في بغداد، حيث يوجد جامع الإمام الأعظم في الأعظمية، وجامع الشيخ عبد القادر الكيلاني، ومراقد الأئمة في الكاظمية وكربلاء والنجف، وغيرها من المناطق ذات الطابع الديني التي تجد فيها صلاة التراويح والأناشيد الدينية والمحاضرات بشكل واسع خلال الأمسيات الرمضانية.
ومن أروع الأوقات الرمضانية هي فترة ما بعد الفطور التي اعتاد فيها الناس على الخروج إلى أماكن العبادة والتجمعات حيث الاستمتاع بالفعاليات الرمضانية والزينة المنتشرة في الشوارع والمحلات التجارية إضافة إلى التسوق وشراء الحلويات الرمضانية كالبقلاوة وحلاوة الدهينية وغيرها، فيما تتسابق المطاعم على تقديم العروض المغرية للإفطار فيها.
ونظرا للحاجة المتميزة للأطعمة في شهر رمضان، تزدهر مراكز التسوق المميزة في مثل هذه المناسبات، وخاصة أسواق الشورجة في مركز مدينة بغداد، والتي تعد مركز التسوق الرئيسي للمواطنين والتجار، إضافة إلى أسواق جميلة والبياع والدورة وغيرها، حيث يتوافد عليها المتسوقون للتزود مسبقا بالاحتياجات الغذائية المتنوعة الضرورية لطعام الإفطار والسحور، وأبرزها التمور والبهارات والألبان والرز والعدس والحلويات والعصائر.
الحاج أحمد النعيمي الذي كان يتسوق في سوق الشورجة قال انه اعتاد في كل عام وقبل قدوم رمضان الحضور إلى هذا المكان لشراء احتياجات الشهر من أسواق الجملة، حيث تكون الأسعار فيها أقل من الأسواق والمحلات الصغيرة المنتشرة في المناطق. وشكى النعيمي من ارتفاع أسعار المواد وخاصة بعد ارتفاع سعر صرف الدولار أمام الدينار، الذي استغله التجار في تبرير رفع أسعار البضائع والسلع، مؤكدا ان ذلك زاد من الأعباء المعيشية على المواطنين وأجبرهم على تقليص مشترياتهم والتركيز على الضروري.
ولم تقتصر عمليات الشراء على المواد الغذائية، بل شملت أيضا زينة رمضان، حيث قامت الأسواق والمحلات بتوفير أنواع الأقمار والفوانيس البلاستيكية وصور الشخصيات واللوحات الرمضانية. وهذه السلع التي تغيب خلال أوقات السنة الأخرى، تجد في هذه الأيام فرصتها الموسمية لتخرج إلى الأسواق والمولات حيث الباحثين عن الزينة الرمضانية، ممن يرغبون بتزيين بيوتهم عند استقبال الضيوف خلال الزيارات والدعوات المتبادلة للإفطار في بيوت الأهل والأقارب والأصدقاء.
وما عزز مكانة رمضان هذا العام كونه يأتي متزامنا مع موسم الربيع وأعياد نوروز، حيث اعتدال الطقس الذي سيعين العراقيين على تحمل ساعات الصيام التي تصل إلى نحو 14 ساعة.
منغصات السياسة
وفي المقابل ولأن الإرادة السياسية الحاكمة تأبى إلا ان تنغص على العراقيين فرحتهم بمجيء شهر رمضان الكريم، فإن سلسلة تحركات سياسية عكست إهمال إرادة الشعب ومصالحه وتقديم مصالح الأحزاب عليها.
فقبل أيام من قدوم شهر رمضان الفضيل، عمدت أحزاب السلطة في البرلمان على فرض تمرير تعديلات على قانون انتخابات المحافظات وفق آليات تؤدي إلى ترسيخ هيمنتها مع السعي لاستبعاد القوى الناشئة والحركات الداعية للإصلاح، وذلك بالرغم من المعارضة الشديدة من قبل مختلف أطياف الشعب ونواب ونشطاء حركة تشرين وحتى المرجعية الشيعية في النجف. ومن جانب آخر، قوبل تقديم الحكومة لميزانية 2023 بمعارضة شديدة لكونها ميزانية انفجارية في النفقات الحكومية مع ضعف الاهتمام بالخدمات والمشاريع الاستثمارية وغياب الإجراءات الفاعلة لتخفيف أعباء الأزمة الاقتصادية والمعيشية التي تسحق الطبقات الضعيفة في المجتمع جراء ارتفاع أسعار السلع والخدمات مع زيادة البطالة.
ولم تكن المشاكل السياسية والاقتصادية وحدها التي شغلت العراقيين، بل رافقتها المخاوف الأمنية. فقد أكدت قيادة العمليات المشتركة، ضرورة اليقظة والحذر في الفترات الحرجة بشهر رمضان المبارك، فيما ألزمت أصحاب المولات والمحال التجارية والشركات والأسواق الشعبية بنصب كاميرات مراقبة مستمرة.
وأكدت القيادة على «ضرورة اليقظة والحذر في الفترات الحرجة في هذا الشهر وعدم إتاحة الفرصة لداعش استثمارها باستهداف أبناء شعبنا لأن داعش تبحث عن أي عملية إرهابية بهدف إثبات الوجود».
كما أن هناك منغصات أخرى لقدسية رمضان ومنها وجود «أكثر من مليون نازح» في المخيمات، وانتشار الجريمة وغزو المخدرات، إضافة إلى أزمة الجفاف وتأثيراتها الكارثية على عدة محافظات.
ومع حرص العراقيين على استثمار شهر رمضان الكريم ليس في أداء الطاعات والواجبات الدينية فحسب، بل وفي تخفيف الضغوط النفسية عبر الاستمتاع بطقوس الشهر الفضيل وقضاء أوقات ما بعد الفطور التي لا تتكرر في بقية أوقات السنة، مع التركيز أثناء صلوات التراويح على توجيه الدعاء إلى الله، بان تشمل رحمته، العراقيين للتخفيف عن معاناتهم وأزماتهم المزمنة التي تتعقد عاما بعد آخر في ظل إدارة فاشلة، دون أي أمل بانفراج قريب.
اقرأ ايضاً