ضوء النهار ونور الكتاب.. بيت أرواد السوري خراب وسط أنقاض شاسعة
تاريخ النشر: 04 يونيو 2023 | الساعة: 10:29 صباحًا
القسم: المشاهدات: 513 مشاهدة
عادة ما كانت دور النشر في سوريا تُؤسَّس في العاصمة دمشق أو في حلب، ونادرا ما كانت تنطلق دار نشر في المحافظات الأخرى. وتعتبر دار “أرواد” إحدى هذه الدور التي تم تأسيسها في مدينة طرطوس الساحلية 1993، وبعدها بأشهر صدر عنها أول كتاب بعنوان “ظلال الروح” للدكتور علي حسن.
وقبل أيام مرّت الذكرى الثلاثين لتأسيس هذه الدار التي نشرت أكثر من ألف كتاب. ورغم المأساة السورية الممتدة منذ عام 2011، فإن الدار مستمرة في عملها رغم شح الإمكانيات.
وُلدتُ عاشقاً للكتاب. في الطفولة، وقبل أن أتعلم المشي، كانت أمي تسكتني، لتعود إلى شغل البيت، إما بإزاحة المهد لكي أواجه شباك الغرفة الغربية (وهي الآن دار أرواد للنشر)، فيبهرني الضوء إذا كان الوقت نهاراً، أو تضع بين يديّ كتاباً، قد يكون قرآناً أو كتاباً لجبران خليل جبران أو للمنفلوطي أو لجرجي زيدان، فأقلّب الصفحات، وأشمّ الصفحات، وأتوقف عن البكاء ولو أصابني عطش أو جوع أو مغص.
في سنتي الجامعية الثانية، تعرفتُ إلى الصديق الكبير والكاتب الراحل وليد معماري. وبين الفينة والأخرى كنت أزوره في مكتبه في جريدة تشرين. وذات يوم وجدني متعبا ويائسا للغاية، فسألني عن الأمر، وقلت له إن راتب “مصرف التسليف الطلابي” بالكاد يكفيني العشرة الأوائل من الشهر، فسألني إذا كنتُ مستعدا للعمل مدققا لغويا في إحدى دور النشر، فقلتُ إن هذا حلمي، وهناك قدّمني إلى الراحل الكبير حسين العودات.
اشتغلتُ في دار “الأهالي” لفترة ليست طويلة، وكان عملي مراجعة النصوص المنضَّدة ضوئيا ومطابقتها مع الأصول أكثر مما اشتغلتُ عليها بالتدقيق اللغوي، لكنني كنتُ “أقبض” على بعض الأخطاء. وسمعتُ مرة الأستاذ العودات يرفع صوته على الهاتف قائلا “يا أخي، إذا الولد الفصعون (الصغير) المدقق الذي يعمل لديّ، كمش (أمسك) خطأً نحوياً لكاتب عربي معروف.. فهذا يعني أننا لا نحتاج إلى أن توصينا بالحرص”.
كانت تجربتي في دار الأهالي مثمرة، وأكسبتني خبرة كبيرة. ومنها انتقلتُ إلى العمل في دار ناشئة، لكنني تركتُها مرغما في أوائل 1993 بسبب مزحة طفيفة بدرتْ مني أمام صاحب الدار بحق حزبه الشيوعي السوري، لأبقى بلا عمل لأشهر عديدة.
وذات يوم ألفيتُ نفسي قرب وزارة الإعلام، ففكرتُ بدخولها والسؤال عن الأوراق المطلوبة للحصول على ترخيص لدار نشر. صعدتُ إلى الطابق الثامن، وهناك ناولتني السيدة المسؤولة عن قسم النشر والمكتبات طلبا لكي أملأه. وحين وجدتُ أن موافقة “الأمن السياسي” مطلوبة، أصبت بالخيبة. ولحظة فتح باب المصعد في الطابق الأرضي، صادفتُ صديقا من أيام الجامعة، وسألني ماذا أفعل، فحكيتُ له عن الحلم الذي حاولت تحقيقه و”مات في أرضه” بسبب موافقة تلك الجهة الأمنية. لكن الصديق كان “واصلا”، فطلب من موظف الاستعلامات أن يسمح له بإجراء اتصال قصير، لم يستغرق دقيقتين اثنتين، سألني خلاله عن تاريخ ومكان الولادة والاسم المقترح للدار والمكان الذي سأمارس فيه النشر.
اقرأ ايضاً