أعلن علماء الآثار في العراق عن اكتشاف مبنى أثري ضخم وغامض يعود عمره إلى نحو 5000 عام، يُعتقد أنه قد يكون أحد أقدم المعابد في تاريخ البشرية، وذلك في موقع كاني شاي بمحافظة السليمانية شمال البلاد.

ويُعد هذا الاكتشاف، الذي وُصف بأنه إنجاز هندسي فريد، نافذة جديدة على فجر الحضارة الإنسانية، حين بدأت أولى المدن في العالم بالتشكل خلال حقبة أوروك (3300 – 3100 ق.م)، وهي الفترة التي أخذت اسمها من مدينة أوروك الأسطورية (الوركاء) في جنوب بلاد الرافدين.

وبحسب الفريق الأثري، فإن حجم المبنى وتصميمه المعماري المتقن يوحيان بأنه كان صرحاً رسمياً أو معبداً للعبادة، ما يجعل هذا الاكتشاف مرشحاً لتغيير فهمنا للعلاقات الثقافية والسياسية التي ربطت حضارات بلاد الرافدين القديمة.

ومن أبرز اللقى الأثرية المكتشفة داخل المبنى قطع من قلادة ذهبية تعكس مظاهر الثراء والسلطة في ذلك العصر، إلى جانب أختام أسطوانية كانت تُستخدم كرموز إدارية في حضارة أوروك. كما عُثر على مخاريط جدارية زخرفية مصنوعة من الطين المحروق، تشكل لوحات فسيفسائية هندسية مذهلة كانت تزين جدران الصرح.

ويقع موقع كاني شاي على بعد نحو 480 كيلومتراً شمال مدينة أوروك، وهي مسافة كانت تستغرق قرابة أسبوعين سيراً على الأقدام في العصور القديمة، ما يؤكد أن المنطقة لم تكن هامشية كما كان يُعتقد، بل جزءاً من شبكة حضارية مترابطة تمتد عبر بلاد الرافدين.

وتُعد أوروك من أعظم المراكز الحضارية في التاريخ البشري، إذ وصل عدد سكانها إلى نحو 80 ألف نسمة، ومنها خرجت الكتابة المسمارية، أول نظام كتابة في التاريخ، إلى جانب تطور الفنون والعمارة والهندسة لأول مرة في العالم القديم.

ويواصل علماء الآثار أعمال التنقيب في “كاني شاي” منذ عام 2013، حيث كشفت الحفريات عن تسلسل أثري نادر يوثق الاستيطان البشري المستمر منذ العصر النحاسي (نحو 6500 ق.م) وحتى الألفية الثالثة قبل الميلاد، في سجل يروي قصة الإنسان الأول الذي وضع أسس الحضارة التي نعيشها اليوم.