القائمة
تابعنا على
الآن
نهاية المسيحية.. الأديان والرأسمالية بعيون إيطالية
تاريخ النشر: 30 أغسطس 2023 | الساعة: 11:19 صباحًا القسم: المشاهدات:
316 مشاهدة

لم يكن بيير باولو بازوليني (1922-1975) يوما شاعرا عاديا في المشهد الأدبي الإيطالي، بل ناقدا ثقافيا ومنّظرا ذا رؤية لا يزال فلاسفة إيطاليا إلى يومنا هذا يحتكمون إلى كتاباته ويعتمدونها مفاتيح لقراءة المعضلات التي يواجهها العالم، لا سيما تلك المرتبطة بالحضارة الرأسمالية.

 

يخبرنا دييغو فوزارو في إصداره الأخير “نهاية المسيحية.. موت الإله في زمن السوق المعولمة والبابا فرانشيسكو”، الصادر عن منشورات بيمي (2023)، أن كل شيء بدأ عام 1973عندما استيقظ الإيطاليون على إعلانات تملأ الشوارع لماركة جينز جديد، وتقول هذه الإعلانات “لا جينز إلا أنا”.

 

وشاهد الإيطاليون إعلانا آخر تبرز فيه امرأة ترتدي الجينز ذاته كتب عليه “من يحبّني يتّبعني”، كانت تلك هي “شعارات الجينز يسوع، التي أنزلت المقدس من السماوات وحوّلته إلى سلعة دعائية ذات طابع استهلاكي جنسي”، يقول فوزارو في كتابه.

 

ولم يكن شاعر إيطاليا الأول آنذاك ليترك مثل هذا الحدث يمر دون قراءة حيثياته وتداعياته المستقبلية على الكنيسة وعلى المجتمع.

 

قراءة استشرافية نقَلها لنا فوزارو ضمن الفصل المعنون “نبوءة بازوليني”، أعلن فيها بداية نهاية الديانة المسيحية في إيطاليا بعد أن قررت حضارة الاستهلاك دخول حرب معلنة على الكنيسة، وذلك عكس النظام الفاشي الذي فضل إقامة تحالف معها استفاد منه الطرفان، بحسب بازوليني.

 

فلماذا، إذن، قررت الحضارة الرأسمالية الجديدة -التي يعدّها بازوليني أشد توتاليتارية من الفاشية- هدم المسيحية؟

 

(GERMANY OUT) Pier Paolo Pasolini,Pier Paolo Pasolini (*05.03.1922-01.11.1975+) , Regisseur, Filmregisseur, Italien, Porträt, - 1971 (Photo by Will / ullstein bild via Getty Images)

 

حصن الأديان الرمزي

 

“تضطلع الديانات السماوية اليوم، لاسيما الإسلام والمسيحية، في أوروبا بدور الحصن الرمزي في جبهة المقاومة ضد تمدد العدمية التكنورأسمالية”، هكذا يفتتح الفيلسوف الإيطالي دييغو فوزارو فصله المعنون بـ”كبح العدم المتمدد.. القوة الحاجبة للدين”، من كتابه الجديد والذي أكد فيه أن خلع مظاهر المقدس عن العالم أصبح سمة ملازمة للحضارة الغربية اليوم، وهي الحضارة الوحيدة في تاريخ البشرية التي تتفاخر بتخلصها من الدين وقتل الإله.

 

ولم تعد حضارة الرأسمالية المطلقة، التي تؤسس هيمنتها على العدمية النسبية وقوة التقنية، بحاجة إلى الاعتماد -كما في الماضي- على الدين كأداة للسلطة، مما جعل مصلحتها في أن تدفعه للانقراض.

 

وإن كان شعار القديس أغسطين في كتابه “الاعترافات” هو “أي غنى لي خارج الله هو الفقر”، فتلك هي تماما “الآية” التي تسعى “الديانة التوحيدية” للسوق إلى قلبها، يقول فوزارو، مؤكدا أن التراث الرمزي والأخلاقي للديانات السماوية كامن في التوحيد المسيحي والإسلامي الحامل لحس المجتمع التضامني المرتبط بالمقدس، عكس ما تبشر به عدمية التبادل التي تسعى حضارة التجارة لتكريسها.

 

ويقول المؤلف إن “النتيجة من خسوف المقدس وموت الإله تؤدي إلى بطلان معنى الحياة لدى الإنسان الغربي، الذي لم يعد وجوده محميا بأي أفق للمعنى ولم يعد موجها لأي هدف نهائي يتعين عليه تحقيقه. ليصبح المعنى الوحيد من عالم منزوع الآلهة يرتبط بنمو خارج الذات يمثله التقدم التكنولوجي ومؤشرات السوق المالية”.

مشاركة
الكلمات الدلالية
اقرأ ايضاً
© 2024 Taraf Iraqi | جميع الحقوق محفوظة
Created by Divwall Solutions