انطلقت في “معهد الدوحة للدراسات العليا” فعاليات “مؤتمر إعادة إعمار التراث الثقافي بعد النزاع في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا”، والذي ينظّمه المعهد بالشراكة مع “مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني”، و”مكتبة قطر الوطنية”، و”متاحف قطر”، وتُناقَش في المؤتمر، الذي يستمرّ ليومين، سبعةٌ وعشرون ورقة بحثية.
وقال عبد الوهاب الأفندي، رئيس “معهد الدوحة للدراسات العليا”، في كلمته التقديمية: “إن الأحداث والكوارث الأخيرة التي أصابت المنطقة أو بقية دول العالم، نبّهتنا إلى هشاشة بعض جوانب وجودنا، وعلى رأسها الإرث الثقافي، ما يعلّق آمالاً كبيرة على هذا المؤتمر”.
ولفت إلى وجود دوافع إنسانية أقلّ طيبة وخيراً، وأكثر شرّاً في النزاعات والحروب، هي التي تؤدّي غالباً إلى تدمير الكنوز الأثرية والكنوز الإنسانية الثقافية العربية.
وأضاف: “من المفارقات أن العصور التي نسمّيها بربرية وهجمات البرابرة والمغول على العالم الإسلامي، لم تدمّر من الآثار والكنوز التراثية ما دمّرته الحروب الحديثة”، مشيراً إلى أدوات أُخرى، كالطمع، تؤدّي إلى التخريب أو سرقة هذه الكنوز.
أشادت أمل غزال، عميدة كلية العلوم الاجتماعية والإنسانية في “معهد الدوحة”، بجهود المنظّمين والمتطوِّعين في إنجاح المؤتمر، الذي أثار اهتمام الباحثين والمختصين من كلّ أنحاء العالم وترجمت الاستجابة له بأكثر من 160 ورقة بحثية أُرسِلت للمشاركة، وأكّدت أنه يتقاطع مع رسالة المعهد الهادفة إلى “استقطاب نخبة الطلّاب العرب والأجانب، وسعيه لإنتاج معارف عربية من شأنها الاشتباك والتفاعل مع واقعنا اليوم”، مشيرةً إلى أن المحاضرات التي ستقدّم خلاله ستمرُّ على موضوعات هامة مثل: إعادة إنتاج الذاكرة الثقافية، والسرديات المهمّشة، والذاكرة المتنافس عليها.
وفي محاضرة عن جهود قطر في إعادة إعمار التراث الثقافي في المنطقة، قالت فاطمة حسن السليطي، مديرة إدارة التعاون الدولي ومكتب الرئيس التنفيذي في “متاحف قطر”: “للتراث الثقافي قيمة تتواصل بها الشعوب وهي ذاتُ أوجه وأدوات عديدة، وطالما ساهمت قطر في احتواء التراث كجزء لا يتجزّأ منها، والمساهمة في عدّة مشاركات عالمية، لتعزيز دور الثقافة في التماسك الاجتماعي والتنمية المستدامة، بما يتضمّنه ذلك من إعادة إعمار للتراث الثقافي”.
وفي نشاط مصاحب للمؤتمر، يُقام معرض بعنوان “بين حلب والموصل”، وهو يُسلَّط الضوء على دمار التراث الثقافي في سورية والعراق، وواقع التراث في كلا المدينتين بفعل النزاعات والصراعات المدمِّرة فيهما.
ويوضّح نور الله منوّر، زميل أبحاث ما بعد الدكتوراه في “معهد الدوحة”، لـ”العربي الجديد”، أن المعرض يضمُّ صوراً لدمار التراث الذي حصل في العقد الماضي، خلال احتلال تنظيم داعش لأجزاء في سورية والعراق، والدمار الذي تعرّضتا له، عبر صور لناشطين وثّقوا التراث الثقافي في المدينتين، والتشابه التاريخي والجغرافي، والتشابه في الحضارة والتراث بين المدينتين، وكذلك التشابه في التدمير.
ولفت إلى أن الدمار الذي حصل له أنواعٌ، منها ما هو عن سابق ترصُّد، وهذا ما حصل مع جامع النوري في الموصل، رغم استخدامه من قبل “داعش” لإعلان “الخلافة”، لكنّه دمّره قبل خروجه، وكذلك ما حصل في جامع الخسروية في حلب، الذي جرى تنفيذ أعمال حفر تحته ثم تدميره.