القائمة
تابعنا على
الآن
“طوفان الأقصى” يعري أطروحات الاستشراق الجديد في إيطاليا
نشر: قبل 11 شهرًا في قسم: المشاهدات:
379 مشاهدة

عملية “طوفان الأقصى” هدمت أسطورة “الجيش الذي لا يقهر”، وشاهد العالم بأسره ذلك يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، ولم تتوقف عند هذا الحد، بل نسفت أيضا ثنائية تاريخية صمدت في إيطاليا لعقود طويلة اسمها اليمين واليسار.

 

ذانك الفصيلان اللذان اتفقا على ألا يتفقا في أي شأن سياسي أو اقتصادي أو ثقافي أو اجتماعي كان، اجتمعا يوم الـ10 من أكتوبر/تشرين الأول تحت قبة البرلمان الإيطالي للوقوف مع إسرائيل، وهو ما نوه به ماتيا فيلتري، مدير موقع “هاف بوست إيطاليا”، مشيرا بفخر إلى أن إيطاليا “تقف على الضفة الصحيحة للعالم”.

 

من جهته، خصص فرانتشيسكو بورغونوفو نائب رئيس تحرير الجريدة اليمينية “لافيريتا” مقاله ليوم 11 من أكتوبر/تشرين الأول للحديث عما أسماه “تبرّؤ اليسار من حلفائه المسلمين” عقب هذه الحرب، حيث ذكّر بورغونوفو قُرّاءه بأن القضية الفلسطينية طالما كانت مدعومة من اليسار الإيطالي، قبل أن يقرر التقدميون وعلى رأسهم أكبر الأحزاب اليسارية في البلاد (الحزب الديمقراطي)، أن المقاومة الفلسطينية “فصيل فاشي يعتنق أيديولوجيا يمينية متطرفة”.

 

ساحة “مريضة بالأيديولوجيا”

 

والواقع أن اليسار الإيطالي عمل طيلة عقود على تقديم سردية مشوهة عن القضية الفلسطينية أسقط منها عمدا أحد أهم عناصر الهوية الثقافية الفلسطينية، ألا وهو الدين، واعتبره “مكونا رجعيا” في حياة الشعوب ينبغي تفكيكه، وهكذا ركزت الساحة الثقافية اليسارية “المريضة بالأيديولوجيا” -بحسب توصيف الشاعر الإيطالي دافيدي روندوني- كل جهودها البحثية والترجمية للترويج أمام الرأي العام الإيطالي لـ”ثقافة فلسطينية وعربية” مزيفة وصلت حد محاولات تسويقها في السنوات الأخيرة على أنها ثقافة إلحادية ونسوية راديكالية مؤمنة بقضايا ما يعرف بالنوع الاجتماعي (الجندر) والمثلية الجنسية.

 

وعلى الرغم من أن هذه السردية الهشة والمتساقطة لم تكن تقنع حتى أصحابها، فإنها كانت تمر على بعض الفئات من أنصار اليسار الراديكالي الذين بدوا “مصدومين كليا” بعملية “طوفان الأقصى”، ولا غرابة في ذلك لأنهم خضعوا لسنوات من التضليل الذي جعلهم لم يتقبلوا صور رجال مسلحين يدافعون عن أرضهم، لأنهم ربما تعوّدوا فقط على صور نساء بشعر أزرق ورجال يرتدون الكعب العالي يُطلقون “صرخات متحولين جنسيا ينشدون الحرية”.

 

ويضاف إلى ما سبق أن الديانة الإسلامية في إيطاليا تتعرض للرقابة، ليس فقط من اليمينية، بل من طرف اليسار نفسه أيضا، لأسباب أيديولوجية تتعلق باحتقار المكون الديني واعتبار المقدس عنصر تفرقة بين الشعوب. وهذا الحظر الثقافي أثّر على نحو بالغ في وصول الصورة الحقيقية للقيم المجتمعية الفلسطينية إلى إيطاليا، وهو ما ظهر في كيفية تلقّي المَشاهد الأولى لعملية “طوفان الأقصى”.

 

فعلى الرغم من أن جريدةً كبرى تعد هي الأكثر انتشارا في إيطاليا (“كورييري ديللا سيرا”) نشرت فيديو على صفحتها بفيسبوك يُظهر مقاومين وهم يهدئون من روع سيدة إسرائيلية مع ابنيها وإظهار عدم تعرض الفلسطينيين لها إذعانا لأوامر دينية، فإن التعليقات السلبية التي حصدها الفيديو تؤكد العطب الذي ألحقه “أصدقاء فلسطين السابقون” -على حد تعبير بورغونوفو- بالشخصية الفلسطينية من خلال مراكمة سرديات مضادة للدين على مدى سنوات في مخيال المتلقي الإيطالي بشأنها.

 

هذا العطب حال بين المتلقي الإيطالي وتقبّل فيديو واضح لا لبس فيه عن مقاوم فلسطيني لم يؤذِّ أُما وأبناءها لدواع دينية. ليستحضر المتلقي بدلا من ذلك صور “الأبوية” و”الذكورية المتعفنة”، والصور المروجة لكراهية النساء، وكل التنظير الأيديولوجي الببغائي الذي لا تخلو منه أي دراسة إيطالية عن فلسطين والعالم العربي.

 

رقابة سلطوية

 

فهل نحن أمام عملية ذهنية تم التحضير لها ونحتها لسنوات من أجل الوصول إلى هذا العمق من نكران الحقائق، حتى لو كانت مسجلة بالصوت والصورة، عندما يتعلق الأمر بالثقافة العربية؟ وهل اليمين هو المسؤول عن ذلك بوصفه “الشر المطلق” في إيطاليا، كما يحاول أن يوحي بذلك اليسار باستمرار، مقدما نفسه على أنه المنافح الوحيد عن الثقافة العربية والإسلامية في الغرب؟

 

في تصريح جريء لها على بودكاست “فيه ما فيه” مع الإعلامي الفلسطيني سائد نجم أكدت الباحثة الإيطالية في الأدب العربي يولندا غواردي أن الجامعة في إيطاليا “أداة سلطوية تفرض رقابة على الباحثين” وأن هناك مواضيع محددة فقط هي ما يُسمح بمناقشتها بشأن المنطقة العربية.

 

أما إن حاول الباحث التغريد خارج السرب فستتراوح الإجراءات العقابية في حقه من الإقصاء من المشاركة في الملتقيات، إلى الحرمان من الترقية الوظيفية أو عدم التعيين أساسا.

 

وذكرت الباحثة أنها هي نفسها دفعت ثمنا غاليا جدا لقاء حريتها الفكرية. هذا التصريح يأخذ أبعادا مُدويّة عندما نعلم بأن مفاصل الجامعة الإيطالية في مبحث الإنسانيات تحديدا يسيطر عليها اليسار وليس اليمين.

 

يجعلنا هذا المعطى نتساءل إن كانت المنظومة الاستشراقية الأكاديمية قد عادت للعمل في الغرب من بوابة اليسار من أجل تبرير حملات عسكرية حقيقية تقوم بها حاليا إسرائيل ضد فلسطين على النحو الذي نظّر له المفكر الفلسطيني الأميركي الراحل إدوارد سعيد.

الكلمات الدلالية
اقرأ ايضاً
© 2024 جميع الحقوق محفوظة الى Taraf Iraqi