القائمة
تابعنا على
الآن
الأفكار النسوية.. قضايا النساء بين الأطروحات المتصارعة والغائبة
تاريخ النشر: 24 سبتمبر 2023 | الساعة: 10:53 صباحًا القسم: المشاهدات:
169 مشاهدة

تحضر الأفكار النسوية عند كل نقاش يتعلق بقضايا النساء، وتشكل هذه الأفكار حاجزا وهاجسا في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، التي تعدها أطروحات دخيلة على ثقافتها وتهدد أنماط العلاقات الاجتماعية القائمة فيها؛ الأمر الذي دفع العديد من الدعاة والمفكرين والناشطين للتصدي لهذه الأفكار، بوصفها محاولة لفرض التغريب ومفاهيمه بالإكراه، وتخريب المجتمع عبر استهداف نواته الأساسية “الأسرة”.

 

كما يتفق كثيرون في عالمنا العربي والإسلامي على أن الموجة النسوية والجندرية اخترقت حدودنا المادية والمعنوية، وأصبحت هاجسا حقيقيا يجب فهمه والتعامل معه بحكمة، خاصة عندما يرون نتاجها الأولي وحجم التغيرات العميقة التي تحدثها في النساء والشابات في مجتمعاتنا المحافظة، فقد تمكنت من حشد جمهور ومؤيدين، وإحداث تغيرات فكرية ونفسية، من دون أن تحظى بدراسة منصفة رصينة تسعى لتفسير أسباب هذا التأثير وقدرته على استقطاب المزيد والمزيد من النساء العربيات والمسلمات تحديدا.

 

من خطاب الشارع إلى التنظير الأكاديمي

 

يخطئ من يعتقد أن الحركة النسوية مجرد حركة اجتماعية تطالب بالمزيد من حقوق النساء، بل إن الخطاب الذي كان يشعل الحماس بين المحتجات من النساء تطور خلال 170 عاما، ونضج على يد العديد من الأكاديميين والمفكرين والفلاسفة من مختلف الجنسيات، ممن تأثروا بالأفكار السائدة والرائجة خلال تلك المدة وحاولوا إسقاطها على واقع النساء كجزء أصيل من المجتمع لا ينبغي تجاهله.

 

لقد نمت تلك الأطروحات منذ الموجة النسوية الثانية، وأنضحت معها الكثير من النظريات والتصورات التي وصّفت حال النساء على مر العصور، محاولة تفسير الأسباب التي أوصلت هذه الفئة إلى حالة من الهشاشة والضعف في الحقوق، كما قدمت هذه النظريات رؤيتها الخاصة لما يجب أن تكون عليه الأمور ابتداءً من النظرية النسوية الليبرالية إلى الاشتراكية والماركسية والتقاطعية ونظريات ما بعد الحداثة، وطرحت تصورات تُحسّن وضع النساء في العالم وتفعل أدوارهن ضمن إطار عادل من الشمولية والمساواة.

 

تعد النظريات والدراسات والكتب النسوية من أصعب المواد العلمية على القارئ المبتدئ أو المتوسط، لأنها تقدم سياقات ومفاهيم أكاديمية خالصة انتظمت وفق مناهج علمية يصعب مجابهتها من دون استخدام الأسلوب نفسه، والطريقة ذاتها في التفكير والكتابة العلمية التخصصية، رغم العديد من الفجوات التي اعترت تلك النظريات.

 

ولم يكن المسار العلمي والأكاديمي النسوي خلال هذه المدة تيارا واحدا، بل انقسم للعديد من المسارات الفرعية المتلاقية أحيانًا والمتناقضة أحيانًا أخرى، والذي خضع لوقفات وتقييمات وانتقادات وتطويرات طالت العديد من الأفكار والنظريات، وهو ما مكّنه من النمو والنضوج ليصبح واحدا من الفروع الأكاديمية المستقلة في الجامعات الأجنبية، ومسارا حاضرا في كافة الفروع التعليمية الأخرى، فغزا المناهج المدرسية والمنصات الإعلامية، وانسابت أفكاره بشكل ناعم ليصبح بعضها من المسلمات التي قد لا ينتبه كثيرون لإشكالياتها.

 

شعلة أطفأها الإهمال

 

غابت مشاكل المرأة في الدول العربية والإسلامية عن ميدان البحث والدراسات المعاصرة، واستوردت الجامعات الأفكار والنظريات الغربية بسياقاتها وفرضياتها من دون أي تمحيص، أو دراسة، أو تعديل، أو نقد لتناسب واقع مجتمعاتنا، وقدمتها كهيكل واحد لا يجوز انتزاع أي جزء منها أو استثناؤه أو حتى نقده.

 

لقد ظهر على الساحة الفكرية قبل عقود عدد من المؤلفات الإسلامية الدسمة، التي أصّلت فكريا وشرعيا لعدد من قضايا النساء، ولم تكن مجرد ردة فعل على خطابات غربية بقدر ما كانت تأصيلا للصورة التي يقدمها الإسلام للمرأة، والرد على بعض الشبهات الرائجة، إلا أن هذه المؤلفات مضى عليها عقود ولم تستثمر أفكارها كما يجب ولم تجد من يحملها ويطورها، بل تراجعت هذه الجهود الفكرية المنصفة المعتدلة وطغى نوع آخر من الدراسات التي حظيت بالتغطية الإعلامية نظرا لأفكارها الإشكالية، وأعادت التعاطي مع قضايا المرأة من منظور ضيق متشدد؛ متجاهلة التحديات والإشكاليات والأطروحات الجديدة؛ فسيطرت على المشهد كأنها القول الإسلامي الوحيد حول قضايا النساء.

 

وإلى جانب ذلك، دارت الأطروحات الإسلامية الدارجة حول الأحكام الفقهية، وأهملت -إلى حد ما- التغيرات والتحديات المعاصرة، فلم تقدم تصورات واقعية متكاملة بديلة، بل ظل الحديث عن تكريم المرأة في الإسلام وحقوقها المختلفة هو المحور الوحيد الذي تدور حوله كافة النقاشات المتعلقة بالنساء من دون أي مجازفة في الخوض عميقًا بالعديد من التحديات الجادة والحساسة، أو توضيح كيفية إنزال هذا التكريم وتعزيز تلك الحقوق على أرض الواقع.

مشاركة
اقرأ ايضاً
© 2024 Taraf Iraqi | جميع الحقوق محفوظة
Created by Divwall Solutions