من بين العشرات من المسلسلات والبرامج الرمضانية، ومنذ حلقاته الأولى، نال مسلسل “العَشرة” اهتمام ومتابعة العراقيين الذين عدّوه الأفضل، ليس فقط من الجانب العاطفي بل في دقّة الحوار والابتعاد عن الإسفاف والخيانة والجريمة والواقع السياسي كما تطرحه أفكار بعض المسلسلات الأخرى.
المسلسل من تأليف غرفة الكتابة التي أشرف عليها الكاتب مصطفى الركابي، وإخراج علي حداد وبطولة آلاء حسين وخليل فاضل، وأشرف على تصويره مدير التصوير عمار جمال، وأنجز المونتاج والتلوين ميدو علي، وقد تم إنتاجه عام 2021 لكنه لم يعرض السنوات السابقة لأسباب تسويقية.
عرض مسلسل “العشرة” على قناة الرابعة، ويتحدث عن آثار الحروب الأخيرة التي عاشها العراقيون، واختار مؤلفو غرفة الكتابة زوايا عديدة لتصويرها كشفت عن العلاقات الاجتماعية والإنسانية وما خلفته هذه الحروب.
العِشرة والعَشرة
المسلسل الذي أبكى الكثير من العراقيين لم يكن يتحدّث بصورةٍ مباشرة عن علاقة الشهيد بالعائلة، ولا عن الحرب بشكل مباشر، لكنه كما تقول بطلة المسلسل الممثلة آلاء حسين للجزيرة إنه “من أحب الأعمال لي كأني أنتظر كلّ هذه السنوات لأحصل على عمل مثل هذا يغيّر من تجربتي وأدائي ويعزز من إنسانيتي أيضا”.
وتضيف الممثلة أن المسلسل “بحلقاته العشر كان عبارة عن رسالة ما بعد الحرب ورسالة الإيمان بالحياة، وهي رسالة ضد الحرب، لكن ومن وجهة نظر من يدافع عن بلده ويستشهد من أجله”.
وعبّرت عن سعادتها بأداء دورها لما فيه من مسحات إنسانية، وتقول إنه “أعلى من كل المسميات والأسماء لأنه جعلني أكون صادقة مع نفسي خلال الأداء الذي كان يبكينا أثناء أداء الأدوار”.
وذكرت أن المسلسل “يحمل قصصا إنسانية ربما فيها من الوجدانية ما جعل العراقيين يتعاطفون معه، ولهذا فهو يعادل كل الأعمال التي قدّمت لي عربيا على الإطلاق وصار من أهم المحطات الفنية في حياتي”.
المسلسل تم إنتاجه عام 2021 ولم يعرض السنوات من قبل لأسباب تسويقية (المصدر: مسلسل العشرة)
وعبرت بطلة المسلسل عن فخرها بأدائها، وقالت إن المسلسل “رفع رأسها” وأشادت بتظافر جهود القائمين على العمل، من الإخراج للكتابة والمونتاج والإضاءة والديكور، الذي أكدت أن القائمين عليه عملوا بجد وواجهوا الصعاب.
وكشفت أن جزءا من الديكور تم بناؤه في ليلة وساعات قبل العمل، وعلقت على ذلك قائلة “صعب أن تكون واقعيا وتقنع المشاهد إن لم يكن المكان قريبا منه”.
وتضيف “النادر أن تجتمع كل عناصر النجاح بشكل ممتاز” وتستدرك أن المسلسل يحمل عنوان “العَشرة” بفتح العين لكن الأغنية كانت تتحدث عن العِشرة بكسرها فصار العنوان لدى المشاهدين هو العِشرة.
قفزة نوعية
ويقول الناقد الثقافي والشاعر الدكتور حسين الكاصد إن المسلسل “يجسد حكاية 10 شهداء، 10 قصص، لينهي العشرة الأولى من أيام رمضان المبارك، بقفزةٍ نوعية في الدراما العراقية”.
ويشير إلى أن أحد أسباب التألق بعد السيناريو هو “تألق الفنانة آلاء حسين وتقمصها 10 أدوار طيلة أحداث المسلسل، وهو ما يعد انعطافة كبيرة بل استفزازا كبيرا لإمكانيات الممثلة العراقية التي بدت وكأنها كانت تنتظر نصا دراميا يظهر مقدرتها الفائقة”.
وأضاف الكاصد أن هذا يقابله “الهدوء الصاخب للفنان خليل فاضل خليل، الذي ظهر بأخلاق ميت تماما، ليس له أن يؤذي أحدا ولكن ليس لك إلا أن تبكي عليه”.
ويفسر الناقد أن “المخرج والكاتب استفادا من الاشتغال على الاتّصال الهاتفي بين الحي والميّت، لكننا لم نجد أي انكسار أو ندم بين الممثلين” ويخلص إلى القول إن “المسلسل دخل بيوت جميع العراقيين”.
مسلسل “العشرة” يحمل قصصا إنسانية جعلت العراقيين يتعاطفون معه (مواقع التواصل)
صدق الحوار
بدوره، يقول الناقد والصحفي حمدي العطار إن ما لفت نظره أن المسلسل كل حلقة يقدّم صورة من صور الحرب وأحداثها وتأثيرها على المرأة العراقية.
ويضيف أن المُشاهد “يرى نفسه في المَشاهد التي يعرضها المسلسل” ويؤكد أن “الحوار كان دقيقا وصادقا وجعل الممثلين صادقين وصارمين كما جعل المشاهد لا يستطيع أن يمسك دمعة تنزل من عينيه”.
ويشير العطار إلى أن التصوير كذلك “كان رائعا كأننا نقف أمام لوحة تشكيلية حزينة تنوّعت بين حبيبة تعمل في محطة قطار وبين جندي يسترجع حياته المدنية والأسرية بالحديث مع صديقه الذي يوجه بندقيته إلى العدو ويتذكر خطيبته، وبين أخت يزورها أخوها الشهيد وهي في المطبخ ويدور بينهما حوار حزين يذكّرها بطفولتهما عندما كانا يتشاجران”.
أسلوب سلس
أما الكاتب والناقد عزيز الشعباني فيرى أن المسلسل حقّق غاياته لعدة أسباب منها أنه “تحوّل من مشهد واقعي إلى شغف عاطفي وتصويري وتمثيل إبداعي وحوار راق”.
وأضاف أن من أسباب نجاحه أيضا “غرابة الطريقة التي أراد بها المخرج التغلغل في أعماق عواطفنا، عبر مقاربة دقيقة وغير مسبوقة لمشهد الأبدية، بأسلوب سلس وجبار”.
وقال “المؤلّف أو المؤلّفون تمكّنوا من الغوص في أعماق الشعور بالفقد، وهو ما ساعد المشاهد على فهم جزئيات وميكانزمات السرد الغيبي لأن المشاهد دائما ما يكمل سرد المشهد وكأنه يقرأ الموت ليكون أكثر تصالحًا”.